اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 441
قال الزجاج: و «الكفل» في اللغة: النصيب، وأخذ من قولهم: اكتفلت البعير: إذا أدرت على سنامه، أو على موضع من ظهره كِساء، وركبتَ عليه. وإِنما قيل له: كِفل، لأنه لم يستعمل الظهر كله، وإِنما استعمل نصيباً منه.
وفي المقيت» سبعة أقوال: أحدها: أنه المقتدر، قال أحيحة بن الجلاّح:
وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفس عنه ... وكنتُ على مساءته مُقيتاً «1»
وإِلى هذا المعنى ذهب ابن عباس، وابن جرير، والسدي، وابن زيد، والفراء، وأبو عبيد، وابن قتيبة، والخطّابي. والثاني: أنه الحفيظ، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والزجاج.
وقال: هو بالحفيظ أشبه، لأنه مشتقّ من القوت، يقال: قُتُّ الرجل أقوته قوتاً: إِذا حفظت عليه نفسه بما يقوته. والقوت: اسم الشيء الذي يحفظ نفسه، ولا فضل فيه على قدر الحفظ، فمعنى المقيت:
الحافظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة من الحفظ. قال الشاعر:
أليَ الفَضْلُ أمْ عليّ إِذا حُو ... سبْتُ إِنّي على الحساب مُقيتُ
والثالث: أنه الشهيد، رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد، واختاره أبو سليمان الدمشقي. والرابع:
أنه الحسيب، رواه خصيف عن مجاهد. والخامس: الرقيب، رواه أبو شيبة عن عطاء. والسادس:
الدائم، رواه ابن جريج عن عبد الله بن كثير. والسابع: أنه معطي القوت، قاله مقاتل بن سليمان. وقال الخطّابي: المقيت يكون بمعنى معطي القوت، قال الفرّاء: يقال: قاته وأقاته.
[سورة النساء (4) : آية 86]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86)
قوله تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ في التحيّة قولان: أحدهما: أنها السلام، قاله ابن عباس والجمهور. والثاني: الدّعاء، ذكره ابن جرير والماوردي. فأما «أحسن منها» فهو الزيادة عليها، وردها:
قول مثلها. قال الحسن: إِذا قال أخوك المسلم: السلام عليكم، فردَّ السلام، وزد: ورحمة الله. أو رُد ما قال ولا تزد. وقال الضحاك: إِذا قال: السلام عليك، قلت: وعليكم السلام ورحمة الله، وإِذا قال:
السلام عليك ورحمة الله، قلتَ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وهذا منتهى السلام. وقال قتادة:
بأحسن منها للمسلم، أو ردّوها على أهل الكتاب [2] .
(1) في «اللسان» الضغن: الحقد والعداوة. [2] قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» 5/ 283: واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها، فروى ابن وهب عن مالك أن هذه الآية بتشميت العاطس والردّ على المشمّت. وهذا ضعيف. والرد على المشمّت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه. وقال أصحاب أبي حنيفة: التحية هنا الهدية، لقوله تعالى: أَوْ رُدُّوها والصحيح أن التحية هاهنا السلام وعلى هذا جماعة المفسرين. وأجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنّة مرغب فيها، وردّه فريضة لقوله تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها.
واختلفوا إذا ردّ واحد من جماعة هل يجزئ أو لا. فمذهب الشافعي ومالك إلى الإجزاء. واحتجوا بما رواه داود عن علي رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجزئ من الجماعة إذا مرّوا أن يسلّم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم» قال أبو عمر: حديث حسن لا معارض له. وقد ضعفه بعضهم وجعلوه حديثا منكرا.
واحتجوا أيضا بقوله عليه السلام: «يسلّم القليل على الكثير» . وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يسلّم الراكب على الماشي وإذا سلّم واحد من القوم أجزأ عنهم» . قلت: هكذا تأول علماؤنا هذا الحديث وجعلوه حجة في جواز رد الواحد، وفيه قلق. وقوله تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها رد الأحسن أن يزيد فيقول: عليك السلام ورحمة الله، لمن قال: سلام عليك. فإن قال: سلام عليك ورحمة الله زدت في ردّك: وبركاته. وهذا هو النهاية فلا مزيد. فإن انتهى بالسلام غايته، زدت في ردك الواو في أول كلامك فقلت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. وينبغي أن يكون السلام. وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إذا سلّمت على الواحد فقل: السلام عليكم، فإن معه الملائكة، وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع. والاختيار في التسليم والأدب فيه تقديم اسم الله تعالى على اسم المخلوق قال تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.
فإن ردّ فقدم اسم المسلم عليه لم يأت محرّما ولا مكروها. ومن السنة تسليم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير. هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة. قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويسلّم الصغير على الكبير» . وأما تسليم الكبير على الصغير قال أكثر العلماء: التسليم عليهم أفضل من تركه، وفيه تدريب للصغير وحضّ على تعليم السّنن ورياضة لهم على آداب الشريعة فيه، وقد جاء في الصحيحين عن سيار قال: كنت أمشي مع ثابت فمرّ بصبيان فسلم عليهم، وذكر أنه كان يمشي مع أنس فمرّ بصبيان فسلّم عليهم، وحدّث أنه كان يمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمرّ بصبيان فسلّم عليهم. وأما التسليم على النساء فجائز إلا على الشابات منهن خوف الفتنة من مكالمتهن بنزعة شيطان أو خائنة عين. وأما المتجالات- المتجالة الهرمة المسنة- والعجز فحسن للأمن فيما ذكرناه وإليه ذهب مالك وطائفة من العلماء.
ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهن ذوات محرم وقالوا: لما سقط عن النساء الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهن ردّ السّلام فلم يسلّم عليهن. والصحيح الأول لما خرجه البخاري عن سهل بن سعد قال:
كنا نفرح بيوم الجمعة. قلت ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة- قال ابن مسلمة: نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السّلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنسلّم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله، ولا كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة. تكركر أي تطحن. ولا تكفي الإشارة بالإصبع والكف عند الشافعي، وعندنا تكفي إذا كان على بعد وأما الكافر فحكم الردّ عليه أن يقال له:
وعليكم. وقال عطاء: الآية في المؤمنين خاصة، ومن سلّم من غيرهم قيل له: عليك، كما جاء في الحديث في صحيح مسلم: «عليك» بغير واو وهي الرواية الواضحة، ورواية حذف الواو أحسن معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر، وعليها من العلماء أكثر. ولا يسلّم على المصلي فإن سلّم عليه فهو بالخيار، إن شاء رد بالإشارة بإصبعه وإن شاء أمسك حتى يفرغ من الصلاة ثم يردّ. ولا ينبغي أن يسلّم على من يقضي حاجته فإن فعل لم يلزمه أن يرد عليه.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 441